الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
، وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَىا بِالْبَيِّنَـاتِ لم يبيّن هنا ما هذه البيّنات وبيّنها في مواضع أُخر كقوله: ويدل لهذا الوجه: أن بعض الكفار ربما امتنع من أصل الاستماع خوف أن يسمع كلام الأنبياء، كما في قوله تعالى عن نوح مع قومه: وقوله عن قوم نبيّنا صلى الله عليه وسلم: ، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ معنى الآية: أن أحد المذكورين يتمنى أن يعيش ألف سنة وطول عمره لا يزحزحه، أي: لا يبعده عن العذاب فالمصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله: {أَن يُعَمَّرَ} فاعل اسم الفاعل الذي هو مزحزحه على أصح الأعاريب وفي لو، من قوله: {لَوْ يُعَمَّرُ}، وجهان: الأول: وهو قول الجمهور أنها حرف مصدري، وهي وصلتها في تأويل مفعول به ليود، والمعنى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} أي: يتمنى تعمير ألف سنة، ولو: قد تكون حرفًا مصدريًا لقول قتيلة بنت الحارث: ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق
أي: ما كان ضرك منه . وقال بعض العلماء: إن {لَوْ} هنا هي الشرطية والجواب محذوف وتقديره: لو يعمر ألف سنة، لكان ذلك أحبّ شىء إليه، وحذف جواب {لَوْ} مع دلالة المقام عليه واقع في القرءان، وفي كلام العرب فمنه في القرءان . قوله تعالى: فأقسم لو شىء أتانا رسوله ** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي لو شىء أتانا رسوله سواك لدفعناه . إذا عرفت معنى الآية فاعلم أن اللَّه قد أوضح هذا المعنى مبينًا أن الإنسان لو متع ما متع من السنين ثم انقضى ذلك المتاع وجاءه العذاب أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه، ولا يغني عنه شيئًا بعد انقضائه وحلول العذاب محله . وذلك في قوله: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىا قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرءان في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من غير سماع قراءة ونظيرها في ذلك قوله تعالى: ، أَوَكُلَّمَا عَـاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ ذكر في هذه الآية أن اليهود كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم وصرح في موضع آخر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو المعاهد لهم وأنهم ينقضون عهدهم في كل مرة، وذلك في قوله: وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ كِتَـابَ اللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ذكر في هذه الآية الكريمة أن كثيرًا من اليهود نبذوا كتاب اللَّه وراء ظهورهم ولم يؤمنوا به، وبيّن في موضع آخر أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالكتاب هم الأكثر، وذلك في قوله تعالى: ، أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْألُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىا مِن قَبْلُ لم يبّين هنا هذا الذي سئل موسى من قبل ما هو ؟ ولكنه بيّنه في موضع آخر . وذلك في قوله: ، الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّىا يَأْتِىَ اللَّهُ هذه الآية في أهل الكتاب كما هو واضح من السياق، والأمر في قوله {اللَّهُ} . قال بعض العلماء: هو واحد الأوامر . وقال بعضهم: هو واحد الأمور، فعلى القول الأول: بأنه الأمر الذي هو ضد النهي؛ فإن الأمر المذكور هو المصرح به في قوله: . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىا فِى خَرَابِهَآ قال بعض العلماء: نزلت في صد المشركين النبيّ صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ستّ . وعلى هذا القول: فالخراب معنوي، وهو خراب المساجد بمنع العبادة فيها . وهذا القول يبيّنه ويشهد له قوله تعالى: وقال بعض العلماء: الخراب المذكور هو الخراب الحسيّ . والآية نزلت فيمن خرّب بيت المقدس، وهو بختنصر أو غيره وهذا القول يبيّنه ويشهد له قوله جلّ وعلا: وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا هذا الولد المزعوم على زاعمه لعائن اللَّه، قد جاء مفصلاً في آيات أُخر كقوله: قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ يفهم من هذه الآية أن اللَّه علم أن من ذريّة إبراهيم ظالمين . وقد صرح تعالى في مواضع أُخر بأنّ منهم ظالمًا وغير ظالم . كقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـاعِيلُ ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت . وبيّن في سورة " الحج " أنه أراه موضعه بقوله: ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ لم يبيّن هنا من هذه الأمة التي أجاب اللَّه بها دعاء نبيّه إبراهيم وإسماعيل، ولم يبيّن هنا أيضًا هذا الرسول المسؤول بعثه فيهم من هو ؟ ولكنه يبيّن في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرّسول هو سيّد الرسل محمّد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: وثبت في الصحيح أنه هو الرسول الذي دعا به إبراهيم ولا ينافي ذلك عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الأسود والأحمر . ، وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ لم يبيّن هنا ما ملّة إبراهيم وبينها بقوله: ، يَـابَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىا لَكُمُ الدِّينَ أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله: وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىا وَعِيسَىا لم يبين هنا ما أوتيه موسى وعيسى، ولكنه بيّنه في مواضع أُخر . فذكر أن ما أُوتيه موسى هو التوراة المعبّر عنها بالصحف في قوله: قُل لّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىا صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ لم يبيّن هنا الصراط المستقيم . ولكنه بيّنه بقوله: ، وَكَذَالِكَ جَعَلْنَـاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي: خيارًا عدولاً . ويدل لأن الوسط الخيار العدول . قوله تعالى:
غني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر اللَّه فيها اختباره لخلقه، ومعنى {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} أي علمًا يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالمًا به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس . أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى.
|